لم يكن لقائي عابراً بوالد مصطفى سلمى ولد مولود
، بل كان لقاء يحمل أسئلة تقاسمناها أنا والرجل الذي تجاوز السبعين من عمره ، صحراوي
عاش لحظات مسار بالألم والأمل في الخروج من مأزق وجد فيه كمواطن تشده
الرغبة إلى وطن مستقر تسوده المواطنة والتنمية والعيش بكرامة.
قال
والد مصطفى، فلنطوي صفحة الماضي، ولنخرج من هذا الملف الذي امتدت له أيادي
تعرف جيداً لماذا تريد أن يبقى الصحراويين محتجزين في تيندوف .
كرر
الرجل أنا لا أؤمن بأن هناك لاجئاً صحراويا في التراب الجزائري،
الصحراويون محتجزون، مقموعون، فلماذا أنتم المغاربة تسكتون عن ذلك، إنها
قضيتكم، قضية المغرب، وهؤلاء مغاربة، ينبغي أن يقف كل المغرب بمختلف مشاربه
وتوجهاته ضد هذا العمل اللاإنساني والبشع بكل مقاييس البشاعة
والاحتقار،والأفظع أن يحدث هذا في زمن يتشدق فيه العالم بالديمقراطية وحقوق
الإنسان...
كان
الرجل يتحدث بمرارة، وعندما تشتد مرارته تغلبه اللهجة الحسانية، لكن
ذاكرته قوية وعيناه حادتان، ذكرتني بشخصية "المعتقل" في مسرحيتي "رجل من
الصحراء" لكن الجلاد الكبير لوالد مصطفى ولد سلمى هو "الزمن وخيبة الأمل"
في المحيط الصحراوي نفسه،والركوب على القضية ظلما وضد إرادة المعنيين من
الصحراويين أنفسهم...
يقول
والد مصطفى، إن قبيلة الركيبات نفسها مقسمة إلى ثلاثة أقسام، هناك ركيبات
المغرب الذي أنا واحد منهم، وهناك ركيبات الجزائر ومورتانيا، ولهذا فإن
مسألة تحديد الهوية تظل صعبة وشائكة.
وجدت
نفسي أسأل الرجل من جديد عن الذين يحاصرون بالفعل والقوة الصحراويين فوق
التراب الجزائري، قال الرجل إن الذين يحاصروننا هم نسيج من هذا الكل، وإن
مصالح تجارية كبرى تقف وراء هذا الاحتجاز اللامشروع.
بدا
الرجل قلقاً، وقال إن للجزائر مصلحة في ذلك، وهي تدفع في اتجاه تعقيد
القضية، لكن المسؤولية تقع على عاتق المغاربة، المجتمع قبل الدولة، فأنا لا
أتحدث هنا باسم ولدي مصطفى
ولد سلمى، المهان على الأراضي الموريتانية، والمعزول عن ممارسة السياسة
والممنوع من الحديث إلى الصحافة أو إلى أي جهة حقوقية، إني أتحدث باسمي أنا
الشاهد على التاريخ، والشاهد على الأخطاء الجسيمة التي ارتكبت في موضوع
الصحراء المغربية، ويحز في نفسي أني عندما أريد أن أنقل هذا التاريخ إلى
بلدان غربية أجد في وجهي لوبيا قويا من المرتزقة الصحراويين والغربيين
الذين يروجون بمختلف الوسائل المحكمة جدا، خطابا مفاده أن المغرب يستعمر
الصحراء، ولا أجد من المغرب من يقف ضد كل هذا الهراء . فهل الدولة المغربية
عاجزة عن الدفاع عن قضيتها العادلة،أنا أتساءل: :"هل الأمر لا
يهمها"؟..يقول والد ولد سلمى.
كان
الرجل جد غاضب ورغم أن ابنه محمد الشيخ الذي كان جالسا يستمع إلينا وهو
ينجز الشاي بالطريقة الصحراوية المغربية الأصيلة، يريد أن يخفف عليه بنوع
من المقاطعة التي تشير الى نوع من التحركات في الجسم المدني المغربي في
قضية الصحراء المغربية، إلاّ أنه كان يرفض هذه المقاطعة، داعيا ابنه على
تركه يكمل حديثه في اتجاه جد جريء في تناوله لقضية المغرب الأولى.
تحدث
والد مصطفى ولد سلمى عن الفراغ السياسي في الصحراء، عن النظام القبلي، عن
مسار السياسة الخاطئة، عن الفساد، عن أطراف جزائرية وموريتانية ومغربية
جعلت من القضية مطية للحصول على ثروات كبيرة.
وهنا استوقفني موضوع "الوطن غفور رحيم"، لأسأل الرجل عن الذين عادوا، أجابني بصراحة علقت في ذهني.
قال
والد مصطفى ولد سلمى إن أغلبية الذين عادوا ليسوا من الصحراء المغربية،
إنهم غير المغاربة، من صحراء الجزائر وموريتانيا ومالي، جاؤوا بهدف السطو
على المناصب والأراضي والمنازل المخصصة للعائدين لكي يبيعونها من جديد
ويعودوا إلى تيندوف لإكمال مهامهم الارتزاقية. سكت الرجل، ثم قال لعل أحداث
أكديم إيزيك بينت كل شيء، لأن أغلب من أشعلوا فتيل الأزمة كانوا من هؤلاء،
إضافة إلى الصراع الحزبي في المنطقة وغير المبني على المشاكل الحقيقية
لسكان منطقتنا الجنوبية...
قلت
للرجل وما العمل، قال: "اللي فات مات، ولكن نحن أبناء اليوم"، وأضاف "أنا
أتساءل لماذا صمت المغرب اليوم عن موضوع تيندوف"، وكان الرجل يقصد المنظمات
والأحزاب، لكني عدت به من جديد إلى قضية مصطفى ولد سلمى الإبن، قال الرجل "
في موضوع ابني أطالب الخارجية المغربية بالتدخل، فابني ليس شخصا، إنه
قضية".
وكان مصطفى ولد سلمى قد صرح في احدى لقاءاته الصحفية انه يريد
أن يثبت للعالم أن ما قام به يتعلق بموقف مصيري يخص الصحراويين فقط دون
غيرهم، خصوصا وأن الجزائر تدعي دوما، في المحافل الدولية، أنه لا علاقة لها
بملف الصحراء، مؤكدا انه يسعى أن تفعل الجزائر إدعاءاتها ولو مرة في تاريخ
هذا الملف الذي عمر طويلا، لأنها تحرك جهاز تحكمه من خلف الستار، كما يريد
أن يبرهن للعالم وللمفوضية نفسها أنه لا عداء له مع الجزائر لكي تتدخل في
حرية رأيه وتطالب بترحيله، لأنه لم يبدي أي رأي يمس النظام الجزائري أو
يهدد أمنها القومي، مبرزا انه كان يحاول من خلال اختياراته أن يبقى قريبا
من منطقته، أي بمحاذاة الصحراويين وكل أهله.داعيا بتحد كبير أن تحترم ارادة
الصحراويين في تقرير مصيرهم برفع اليد عليهم من طرف هؤلاء الذين يحتجزونهم
في تيندوف ضد كل المواثيق الدولية والمنظمات الإنسانية.
بديعة الراضي:
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق