تجدر الإشارة إلى كون المادة العلمية المكتوبة المتعلقة بالموضوع توجد مبعثرة
في كتب مصادر علوم إنسانية متنوعة، ومنها المخطوط ومنها المطبوع. كما أن قسما
منها هو مجهول المصير اليوم. واعتمدت عدم تحديد الفترة الزمنية للموضوع نظرا
لكونه لا يزال بكرا ويتطلب المزيد من الأبحاث المتنوعة بخصوصه في سائر العصور
التاريخية.
وكما هو معلوم فالصحراء المغربية كبقية ربوع الوطن ساهمت في صنع تاريخ المغرب
المجيد، وتحاول الكتابات الاستعمارية بإجحاف أن تجعل الباحثين يعتقدون أن تاريخ
الصحراء المغربية قد بدأ مع وصول الأوروبيين إليها، ومع وضع تقاريرهم1 .
وفي نفس الصدد تزعم هذه الكتابات افتراء أن الصحراء المغربية كانت أرض سيبة(2).
وقد ساهمت مناطق الصحراء المغربية بدور فعال في بناء الحضارة المغربية فمن جهة
نجد أن كل الدول التي تعاقبت على حكم المغرب منذ عهد المرابطين قد قدمت من
الجنوب(3)، ومن جهة ثانية أعطت هذه المناطق رجالا أكدوا حضورهم وتركوا بصماتهم
في ذاكرة التاريخ المغربي. وإن ما أنجز من أبحاث قليلة لا تفي بالمطلوب في
إبراز ما كان لها من إشعاع حضاري وما خلفه أبناؤها من عطاءات علمية(4).
والجدير بالذكر أن الحياة الفكرية في مناطق الصحراء المغربية ما زالت في معظمها
مجهولة وغامضة وإن ميدان الاكتشاف العلمي والتنقيب الأدبي مازال واسعا أمام
الباحثين. وقد عبر عن هذه الظاهرة الأستاذ محمد حجي عندما زار بعض مكتبات هذه
البقعة صحبة أستاذنا محمد المنوني والأستاذ محمد إبراهيم الكتاني سنة
1413/1983(5).
وبخصوص هذا العرض فسأقتصر وبإيجاز على معالجة محورين: فمن ناحية ذكر قبائل
الصحراء المغربية، ومن ناحية ثانية إبراز نماذج من علمائها.
المحور الأول: ذكر قبائل الصحـراء المغربية
لقد شكلت هذه القبائل تدخلا بين مختلف سكان الوطن من الأخصاص شمالا وغيرهم من
مختلف قبائل الشناقطة التي استقرت على الضفة الشمالية للنهر الفاصل بين الشقيقة
موريطانيا والشقيقة السينغال. ونظرا للإندماج الذي حصل بين سكان الصحراء من
الكويرة إلى كلميم أصبحت لفظة الشناقطة تطلق على كل تلك المجموعة من سكان
الوطن، ابتداءا من وادي نون وانتهاء بحدود المغرب الطبيعية جنوبا. وكانت
الأخبار المتواترة والوثائق القليلة التي عثر عليها تثبت كلها بأن هذه المناطق
التي يطلق عليها اليوم الساقية الحمراء ووادي الذهب إضافة إلى منطقة درعة ووادي
نون كانت كلها مناطق تعمها الغابات والبساتين والمياه الجارية مما جعلها تعرف
حضارة كبيرة وازدهارا عظيما....
وأجمع المؤرخون على كون نزوح هؤلاء السكان إلى الصحراء المغربية تم من الشمال
إلى الجنوب، ونجد منهم سلالات شريفة ادريسية وعلوية، وكذلك بعض السلالات
الصنهاجية وجدوع من زناتة وعرب المعقل وبني هلال وبني سليم وغيرها من القبائل،
الذين بدأوا يصلون مع الفتح الإسلامي(6). إذن كانت تقطن الصحراء المغربية قبائل
من البربر ثم بدا دخول العرب عقب حدوث هذا الفتح. وأصبحوا قسمين: عربا وبربرا.
وتجنسوا جنسين وهما الزاويا وحسان، وانقسمت قبائل حسان إلى قسمين: العرب
واللحم. فصار سكان المنطقة بهذا الاعتبار يتكونون من ثلاثة أجناس :فالأول كان
يتوغل في المنطقة وينشر فيها الإسلام وهم المجاهدون، والثاني اشتغل بإحياء
العلوم، ثم الثالث اشتغل بالتجارة وكان يدفع للمتعلمين الزكاة ويعطي الإعانة
للمجاهدين. وهكذا غلب على الأول إسم حسان وعلى الثاني إسم الزوايا وعلى الثالث
إسم اللحمة (7).
وقد صارت لبني حسان السيطرة التامة بعد قدومهم إلى الصحراء والتحق بهم الكثير
من العرب. فضلا عن السلالات الشريفة كما سلف الذكر، علاوة على القبائل الكثيرة
من بطون قريش كالبكريين والفهريين وقبائل من الأنصار ...(8).
وبخصوص هذه القبائل المنتمية إلى مناطق الصحراء المغربية، فهي تنقسم إلى أربع
مجموعات، وهي كما يلي:
1- المجموعة الأولى: الشرفاء الركيبات:
يميز النسابون الصحراويون بين الرقيبات بالقاف القاطنين بجهة الشرق والركيبات
بالجيم المعقودة القاطنين بالسواحل الغربية(9).
وتمتد منطقة ترحال الرقيبات وإقامتهم ما بين منطقة أركشاش إلى المحيط الأطلسي،
ومن الساقية الحمراء إلى أوكر تاغانت. وهم ينتسبون إلى الشيخ المجاهد أحمد
الرقيبي الذي استقر في الصحراء المغربية في النصف الثاني من القرن 9هـ/ الموافق
القرن 15م (10). وحاول نشر طريقة جده القطب المولى عبد السلام بن مشيش دفين جبل
العلم. وفي هذا المضمار أسس زاوية بالساقية الحمراء سنة 908هـ/1503م (11).
ومن خلال القراءة الأولية لعمود نسب هذا الشيخ نجد أنه يتلقى مع عدة أسر من آل
البيت المستقرين في شمال المغرب. فهو ابن أحمد بن يوسف بن عبد الله بن محمد بن
عبد الكريم بن أحمد بن موسى بن غانم بن كامل بن تكميل بن زين العابدين بن حيدرة
بن يعقوب بن علي بن مزوار بن خطاري بن عيسى بن بكر بن محمد بن حرمة بن عيسى ابن
سالم بن حيدرة بن علي بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن المولى إدريس الثاني مؤسس
فاس(12).
وبالنسبة لجدوع الرقيبات حسب ترتيبهم على الأبناء المباشرين لهذا الشيخ فهم كما
يلي:
1- أولاد علي بن أحمد الرقيبي، وبطونهم أربعة ومنهم أولاد موسى.
2- أولاد اعمر وبطونهم أربعة، ومنهم أولاد الطالب.
3- القواسم وبطونهم أحد عشر بطنا، ومنهم أهل إبراهيم وداود-13)
2- المجموعة الثانية: قبائل نكنة
كانت هذه القبائل تنتقل بين توات والساقية الحمراء وسوس. وتتابعت رحلتها من
توات إلى وادي نون(14). وهي تشمل تجمعين كبيرين هما آية بلة، وآية الجمل.
وتنضوي داخل هذين الحلفين عدة قبائل تجمعها قواسم مشتركة تندرج في صلابة
مقاتليها وشجاعتهم، فضلا عن إكرامهم للضيف والوفاء بالعهد واحترام أهل العلم
والصلاح(15).
أ- حلف آية الجمل: ويضم اثني عشرة قبيلة ومنهم مجاط التي تنسب إلى قبيلة مجاط
المعروف في سوس.
ب- حلف آية بلة: ينتسب إلى المرابط بن ياسين. ويتكلم المنتمون إليه باللهجة
البربرية السوسية ويضم قبائل كثيرة ونجد منها آية إبراهيم(16).
وأذكر كنموذج لارتباط قبائل تكنة بالدولة العلوية كون ممثلوها حضروا في مدينة
سمارة عام 1323هـ/1905 في حفل تقديم الخليفة السلطاني إدريس بن المولى عبد
الرحمان العلوي وحضروا كذلك تنصيب زعماء الصحراء المعينين من طرف السلطان
المولى عبد العزيز بظهائر حملها محمد بن حسن بن يعيش(17).
وفي نفس الإطار نجد ضمن مداخلة قبائل تكنة في ندوة البيعة والخلافة التي نظمتها
وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالعيون سنة 1405هـ/1985م، ورود ذكر بأن
التاريخ يشهد من جهة على كون الصحراء المغربية جزءا لا يتجزأ من المملكة
المغربية، ومن جهة ثانية على الرباط الوثيق بين أبنائها والأسرة العلوية.
read more »
images (19).jpg 17K View Download |
images (21).jpg 17K View Download |
images (25).jpg 11K View Download |
images (42).jpg 7K View Download |
images (43).jpg 17K |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق